الساعة الثامنة صباحاً يراودني الحنين
لعادة شراء جريدة،
من دكاكين مصطفة في شارعي الحزين
فأضعها في الحقيبة
وأسير بظلام حالك
ورؤيا في عرف التخمين
فالدخان أعمى العين والفؤاد
ترك الفطنة في سهاد
دخانٌ من صورة حريق مدينتي
تصدّرت - بحيلة - غلاف جريدتي
تزيد الغشاوةَ، وتزْكي نار حيرتي
في عطلة نهاية الأسبوع
أعطيها مجتمعةً للزبال
لينتفع من أوراقها المجردة
بعد أن أتلف حبرها... جهازي المناعي
فحوله إلى مستثمر يبحث فرصة انتفاعي
أستوعب العار... فأحوله انتصار
أتقبل الفاجعة... كباقة زهورٍ يانعة
وأتفقد مشاعري فأجدها باردة... كأثاث شقتي
- اقتنيْتُه من إعلانٍ على جريدة شاشتي-
تخلصت من طوابير أوزانها الورقية
بعد أن تحولت لعناصر منزلية مزعجة
تزاحمني المكان
فتعكر صفو أناقته (السينمائية)
وبعد أن أفسدت أوزان زيفها الأثقل
ضمير العالم الأعزل
فثقبت بأسئلة فولاذية
أنسجة عقلٍ مكبل
لتزرع في طبقاته
شرائح ممغنطة
بأجوبة قهرية
فتقطَع له جواز سفر
ليترك صاحبه ويرحل
تعلن جريدتي للمعدمين وجودها على كل الأرصفة
مزحومة، مثقلة بإعلانات غرمائهم باهظة التكلفة
مثل ثمن كعكة الجبن مع فنجان قهوتي
أبتاعها كل صباح عند قراءة جريدتي
من عنوانٍ تحت ذيل مقالٍ عن "أوجاع المجاعة"
قطع مفاجئ:
صغاري على شاشتي أشلاء
والدم المسكوب يمتزج ونبيذ الغرباء
أشاهدها مراراً وأحتسي العشاء
لقيماتٌ تخِمة، تزيف حجة البقاء
فزمان الكرامة قد ولّى والنخوة
ألمح جوادي، يبتعد والصهوة
فتاريخه يتنكر لهذا الزمان
ويتركني ووعود مصنوعة من الخذلان
تطالعني بعدها جريدتي
بصناع السياسة من رجال دولتي
يصنعون طوق نجاة
ويقدموه لمتغطرس اغتصب مدينتي
:
:
:
يحاول بعدها شريط الصور
دس الحيلة عبر الخبر
بأن القنابل تحت يمامتي لن تنفجر
وأنَّ اشتعال فتيلها بنار الغدر...
يحيي أرض سلام جدباء... كماءٍ منهمر
بعد الفاصل... تباغتني جريدة شاشتي
بزيارة اعتادت نفس الطريقة
لضيف في حفل تعريف
.. تحت رعاية العملاء
فتفرض علينا "دماثته"...
وملامح وجهه "الصديقة"!!
وتُفرد ساعات لربطة عنقه الأنيقة،
تتدارس نقوشها الأخاذة
بلون زرقة السماء
على شاشات مترفة غاية في الوضوح
تخفي ملف أصحاب دم مسفوح
قطراته تتساقط من أصابع ناعمة
فتعجز الجريدة عن التنقيح... والإخفاء
بأن من فتنك بربطة عنقه الزرقاء
هو ذئب مراوغ ...هو ألد الأعداء
و تتدلى علامة تجارية من ذيلها
.... لتفضح صفقة سلام الجبناء
رأيت جريدتي تنصب متوازية كل الأعمدة
تزرع في حقلها كل الأقلام
وتستقبل لسان التوحيد باهتاً
من أطلال طينية
ومضارب بعيدة وخيام
فأجلس أجزاءًً مقطعة
بعد أن سرقت مني خلاصي
لتعلمني جريدتي العقيدة...!
بأنْ لا عقيدة
جريدتي كالحرباء
... تُغير جلدها وتُبدل
لتصبح "مشاريع" الخسة والعمالة
..." حلولٌ عمليةً" من عقل فطحل
جريدتي ترشي قومي بأحلام وردية
جريدتي "تطورني" و "تصنع المستقبل"
لتتخِم حساباتهم البنكية
فتبني على أشلاء كرامتي
قصوراً شاهقة سحرية
جريدتي تذوبني
... تصهر داخلي
وتعيد صياغته الكيميائية
جريدتي تؤرقني
جريدتي تمزقني أشلاء
فتنثرها فوق محيطات هائجة
وتواري شطآن نجاتي والسماء
خلف صور الوحوش البائدة
والخطابات المنقرضة
لأصطدم بأسوار مدن المستقبل
بعد أن جعلتها سلعاً رائجة
وصنعت منها طوق نجاة زائف
مدنٌ تبني أسوارها في تجاعيد دماغي
فأصدق أنها تعصمني
وأغرق بعدها في مستنقع مكرٍ و دهاء
وأرصد موجات وأبراج تشويش
تفقد عيناي وأذناي الوظيفة
بعدما زنى رجال نقاط التفتيش
بحرمة طيات عقلي الحصيفة
فاحرم جريدة العالم المأزوم
بمشهدها الزاعق وصوتها المكلوم
ويتحول ضميري إلى إسفنجة
فيغرق في أمواج موجات فجة
نتيجة مرسومة:
كل شيء في جريدتي كل شيء:
عناوين الغلاف، مقالات الوسط
قص الشريط ، مهرجان اليُفط
رموز البواطن والأسماء
شخوص الأفاعي
خطاب العملاء
قوانين الفوضى...و حكم الدخلاء
ملصقات الشوارع... الإعلان
برامج السهرة... تأوهات الخصيان
معلبات الخيانة...
اللحوم الفاسدة
احتفالات الصفاقة والمجون الحاشدة
كلها... كلها تأمرني
لأرحل عنّي
وأهجر آبائي
فأخلف العقرب يندس في حذائي
وأترك في رف مكتبتي قنبلة وصور أبنائي
وتتلون عقيدتي... وأنسى فرضي
وأرقب ببلادة...
مشهد الخنزير يدنس عرضي
وأنكسر... فيدوس الأنذال جبيني وأرضي
وأترك تفاصيل يومي للعبثية
في نظام يعتنق فوضى "الحرية"
وانعي ثوابت داخلي خلسةً
ليسقط بنائي في شخصي
بعدما تشربت مخططاً بيانياً مغايراً
يُعيد بنائي على أنقاضي
فأصبح بعدها عدوي
..أصبح عدوي
وجهاً لوجه:
عدوّي أنا ما عدت أقوى على الاختباء
أضحيت ضعيفاً أتسول الخبر
فعلى الأوراق القديمة من رزنامتي
أجدت الخفاء وراء جريدتي
تواريت تحت خبر مذياعي
لأجلس على أريكتي الأرضية
وأطلق العنان لسماعي
و حين يدنس دستور كرامتي القومية
ينتصب غربالي المناعي
فتحاكي حركة ذراعي
برسغه ذو أصابعه الثلاثة
وإبهامه القابض على السبابة
.. لساني يتوعد بلا هوادة
بردٍ غليظ و سرعة إجابة
(عبارات مجتزئة من حلم زمن البلادة)
اليوم... تكبلني وكل البشر
بلمسات أصابعي أرتشف الخبر
وترتشف خبري فتفضح المكان
أبتلع عندها مرارة خبث كذابٍ أِشر
فبعد أن أهديتني مصنع الجريدة
أعتدْتُ الجلوس على كرسي الاعتراف
لأحفظ رأسي في صندوق عند الانتهاء
وأتركه تحت حراسة اللصوص وصناع الدهاء
وأكتشف بعدها حقيقة هديتك
إربد-الأردن
شباط 2008
مسجلة لدى دائرة المكتبة الوطنية الأردنية برقم إيداع: 1179/4/2008