مرحباً بك

هنا موقع مشروع [بث تجريبي}-خربشات
وهو الجزء النصي والمتمم لباقي أجزاء المشروع، التي هي على التوالي:

مشروع [بث تجريبي}-العالم صور على موقعFlickr
مشروع [بث تجريبيّ}-أشياء في فيديو على موقع You Tube

هذه بعض سطور تبين كيفية عمل المدونة، والتي مازالت مكوناتها الرئيسية تحت التحرير و الإنشاء.
بعد هذه الكلمة التوضيحية، تظهر لك الرسالة الأحدث من تاريخ النشر.
إذا أردت جميع الرسائل المجتمعة تحت مسمى واحد، فعليك باختيار المسمى من قائمة "التسميات" في الجانب الأيمن.
أما إذا أردت أن تعرف أكثر عن باقي أجزاء المشروع، فاذهب إلى عنوان مشروع [بث تجريبي} في نهاية الصفحة.

الثلاثاء، مايو 30، 2023

لماذا نحن غير متسامحين؟


يلام علينا عدم تسامحنا مع من يختلف معنا ومع ثقافتنا، وندافع عن أنفسنا باجترار صور من ماضينا المشرق لنبرهن على هذا التسامح، فيضرب هنا سيدنا عمر بن الخطاب كمنموذج للتسامح وكيف رفض أن يصلي في الكنيسة حين وصل إلى بيت المقدس حتى يحافظ لنصارى فلسطين على دار عبادتهم ولا يأتي من بعده من يدعي حقه فيها بحجة هذه الصلاة، كما أنه جلد إبن والي مصر القبطية بعد أن فتحها هذا الوالي وهو الصحابي عمرو بن العاص وذلك بعد التثبت من شكوى لقبطي من أهل البلاد بتعدي بن عمرو عليه، كما يضرب مثلا في تسامحه مع تماثيل مصر الفرعونية الكثيرة والتي لم ينل منها أو يطمسها، كذلك تسامحه مع غير المسلمين في بلاد الإسلام حين لم يمنعهم من الحصول على خمورهم أو خنازيرهم ولم يبح لرجاله أن ينالوا من شيء منها بل كان يأخذ الجزية من ثمن بيعها كما ورد في مسند الإمام أحمد، كل هذا وأكثر جعل كثير من النصارى يحبون عمر ويعجبون بتسامحه لدرجة أنك وإلى الأن تجد أن اسم عمر موجود عند النصارى الكاثوليك وهو منتشر في أمريكا اللاتينية بالذات.

ولكن لماذا نسترجع صور الماضي ضاربين فيها أمثلة على تسامحنا كمسلمين بينما لا نتقبل تطبيق ذلك على واقعنا؟

لماذا نعترض على جهة رسمية أو أهلية في حال تسامحها مع ثقافات أو معتقدات غريبة عن مجتمعاتنا ولا تمثل الأغلبية فيه، حتى لو كان التسامح معها من باب التعارف وتقبل الآخر؟

عاود هذا السؤال فرضه على نفسي في هذه الأيام بالذات بعد الفيديو الاخير الذي تناولته مواقع التواصل الاجتماعي عن فقرة استعراضية لطلبة أندونيسيا في جامعة اليرموك الأردنية قامت فيه بتقديم مشهد تمثيلي راقص لإحدى أساطير بلادهم، ظهر فيها تمثال شيطاني لساحرة معروفة في تلك الأسطورة، وأفراد يطوفونّ حوله يؤدون حركات راقصة وكأنها شعائر وطقوس كانت تقام هناك، مشاركتهم هذه كانت جزء يخدم فكرة المهرجان الذي أقيم للتعارف على ثقافات الطلاب المختلفة، ولكن هذا لم يقبل من كثير من الطلاب الأردنيين والعرب في المناسبة والمشاهدين له على مواقع التواصل، واستنكر هؤلاء قبول الجامعة لإقامة مثل هذه الفقرات.

وهنا إذا أردنا أن نقف على الأسباب في سوء الفهم هذا وعدم التسامح المعيب فأعتقد أنه يمكن حصرها في ثلاث نقاط:

الأولى: تكمن في جهل المسلم بدوره الحضاري فيما يسمى بالأمية الحضارية، وحال الضعف والهوان الذي يعيشه بشكل عام في وسط باقي الشعوب المتحضرة، فالعربي والمسلم مهاجم في ثقافته في كل مكان ومن كل مصدر، ووسائل الإعلام المختلفة والتفاعلية منها على وجه أخص أصبحت تحيط بالزمكان الخاص به، كما يحلوا للفلكيين تسميته، وهي مليئة بالصور السلبية الهجومية عنه هو تحديدا وتصويره بالهمجي المتأخر، كذلك هو لا يجد في مخزون ذاكرته ما قد حققه للبشرية في العصر الحديث سوى أمثلة الفوضى وانعدام النظام في مجتمعه وضعف الإنتاج العلمي والصناعي، فينتج عن ذلك خلل سلبي واضح في توازنه الداخلي وضعف وهشاشة في الشخصية الحضارية بشكل عام، وهنا يصبح التسامح في نظره إنبطاحا.


النقطة الثانية: إنعدام ثقته في غالية أنظمتنا العربية ومنظومتها الخدمية داخل المجتمعات، حيث يرسخ اعتقاد داخل الفرد العربي بتبعية هذه الأنظمة للغرب واستعدادها للتفريط بكل ما من شأنه حمايته وحماية خصوصياته الثقافية، في مقابل ذلك زيادة هجمات الغرب الممنهجة والمدروسة والذكية والتي تحمل ثقافة وحضارة مخالفة ومنافسة لحضارته، لذلك تجده يقوم بدور كان من الواجب أن يقوم به جهاز الدولة ومؤسساتها الأمنية، وذلك حفاظا على جذوره والتي هي من يشكل هويته، والانسان بلا جذور ستعصف به الريح مهما كانت ضعيفة، وتهوي به في مكان سحيق، لذلك لا تجده يتسامح مع أي فكر أو حدث أو مناسبة غريبة عن ثقافته.


السبب الثالث: الضعف المعرفي الحقيقي عند غالبية أبناء أمتنا وبالتالي ضعف الوعي العميق ليحل محله وعي سطحي جماهيري يعتقد صاحبه في عدم تسامحه بأنه أكثر انتماء لأمته، ليخلط بذلك بين صدق الانتماء وبين تقبل الآخر المختلف والانفتاح على ثقافته والتسامح معها، وأعتقد أن الحل يكمن بمزيد من المطالعة والمعرفة والتي تحققها القراءة والمطالعات المختلفة والمحاضرات العلمية والمهرجانات الثقافية والسفر والترحال. وهنا نعلم لماذا كانت كلمة إقرأ هي أول كلمة نزلت على خير الخلق صلى الله عليه وسلم وأول أمر له قبل أي أمر آخر يخص العقيدة أو العبادات أو التعاملات، ذلك أنك بكثرة القراءة والإطلاع تصبح أكثر قدرة على موازنة الأمور وتحليلها ونقدها وبالتالي معرفة صحتها من عدمه وتحديد موقفك منها بعد ذلك، وكلما زادت القراءة المتنوعة والمطالعات غير المسبوقة منك بأحكام على مضمونها كلما زادت هذه المهارات عندك احترافا ومهنية، ولا تكون بعدها مجرد إمعة لا تفهم ولا تعقل ولا تفقه إلا الانجرار إلى متبوع.

فأين عمر رضوان الله عليه منا نحن في هذه الأيام!!!؟