كنا نتفق دائما وننقل ما قاله دعاة مصلحون ومفكرون حصيفون قبل عصرنا ومعاصرين أيضا، بأن ما ينقص أمتنا هو إعادة بناء الإنسان بناء حقيقيا أساسه العزة والكرامة، كي يعالج أميته الحضارية ويعرف رسالته، وأن ذلك لا يمكن أن يحصل في ظل أنظمة قهرية،
يتبع
... بعض مايفيض به العقل بعد يوم شاق من التفكير
كنا نتفق دائما وننقل ما قاله دعاة مصلحون ومفكرون حصيفون قبل عصرنا ومعاصرين أيضا، بأن ما ينقص أمتنا هو إعادة بناء الإنسان بناء حقيقيا أساسه العزة والكرامة، كي يعالج أميته الحضارية ويعرف رسالته، وأن ذلك لا يمكن أن يحصل في ظل أنظمة قهرية،
يتبع
للأسف مستوى الأمية المعرفية والحضارية وضعف المطالعة والتحصيل العلمي عند كثير من أبناء أمتنا جعلنا متعصبين سطحيين متطرفين شديدي التحسس من أي رأي مخالف سريعين في سوء الظن ورمي المخالف بالتهم المعلبة الجاهزة من مثل: مدسوس، مغرض، صاحب أجندة، مدعوم من الخارج، منافق، صاحب هوى، يتعمد ضرب ثوابت الإسلام، طائفي، يميع الإسلام، مفرط…. وغيرها كثييييير.
كل هذا ينجلي بالقراءة والمطالعة غير المسبقة بأحكام ظنية في أصلها، لكنها شبه قطعية عند صاحبها.
الإمام أبو حنيفة شيخ العلماء أوذي وعذب وكان لا يستمع له بعد أن اتهم في دينه ومقاصده ونواياه، حاربه أهل الحديث في مسائل كثيرة وحاربه الحاكم العباسي، المنصور في وقته، ومذهبه الآن الأكثر انتشاراً وهو أبو المذاهب.
الإمام مالك كان في آخر عمره يصلي مسبلاً فظن بعض من صلى خلفه أن هذا تفضيل للإسبال عن وضع اليدين تحت الصدر وفوق البطن، ولكن الإسبال كان بسبب عدم استطاعته رحمه الله رفع يديه وذلك من شدة آلامهما وتعطلهما من الضرب المبرح الذي تعرض له حتى يرجع عن آرائه، والآن هو صاحب واحد من أهم المذاهب الخمسة الرئيسية لأمة الإسلام.
الإمام البخاري كان ملاحقا و مرفوضا، اتهم بالزندقة وكفر في بلاد إقامته نيسابور مما جعله يهاجر ويتركها. كتابه الآن أول أهم كتاب بعد القرآن الكريم عند جمهور المسلمين.
الإمام النسائي عنف وأوذي وضرب من العامة حتى أدى ذلك باعتلال صحته وبعدها موته بعد هجرته من دمشق إلى فلسطين. وهو الآن من كبار أهل الحديث المعتمدين عند جمهور المسلمين.
الإمام بن تيمية عذب وسجن وأوذي كثيراً بسبب آرائه التي اتهم في بعضها بخروجه فيها عن الإجماع وجمهور الأمة، وهو الآن يلقب بشيخ الإسلام.
هذا حال البشر وهذا حال عامة الناس وهذا حال المجتمعات البشرية، تحارب الجديد من الآراء وتحارب صاحبه، إما خوفاً على الموروث باشكاله المختلفة والتي تجزم بصحته، وإما حسداً من عند أنفسهم تجاه صاحب الرأي المجتهد لتميزه عنهم في فهم جديد، ولعدم قدرتهم على مجاراته في جهده ودراساته ومدائبته وراء قصده وما نوى.
فعلاً نقول هنا: الإنسان عدو ما يجهل.
يلام علينا عدم تسامحنا مع من يختلف معنا ومع ثقافتنا، وندافع عن أنفسنا باجترار صور من ماضينا المشرق لنبرهن على هذا التسامح، فيضرب هنا سيدنا عمر بن الخطاب كمنموذج للتسامح وكيف رفض أن يصلي في الكنيسة حين وصل إلى بيت المقدس حتى يحافظ لنصارى فلسطين على دار عبادتهم ولا يأتي من بعده من يدعي حقه فيها بحجة هذه الصلاة، كما أنه جلد إبن والي مصر القبطية بعد أن فتحها هذا الوالي وهو الصحابي عمرو بن العاص وذلك بعد التثبت من شكوى لقبطي من أهل البلاد بتعدي بن عمرو عليه، كما يضرب مثلا في تسامحه مع تماثيل مصر الفرعونية الكثيرة والتي لم ينل منها أو يطمسها، كذلك تسامحه مع غير المسلمين في بلاد الإسلام حين لم يمنعهم من الحصول على خمورهم أو خنازيرهم ولم يبح لرجاله أن ينالوا من شيء منها بل كان يأخذ الجزية من ثمن بيعها كما ورد في مسند الإمام أحمد، كل هذا وأكثر جعل كثير من النصارى يحبون عمر ويعجبون بتسامحه لدرجة أنك وإلى الأن تجد أن اسم عمر موجود عند النصارى الكاثوليك وهو منتشر في أمريكا اللاتينية بالذات.
ولكن لماذا نسترجع صور الماضي ضاربين فيها أمثلة على تسامحنا كمسلمين بينما لا نتقبل تطبيق ذلك على واقعنا؟
لماذا نعترض على جهة رسمية أو أهلية في حال تسامحها مع ثقافات أو معتقدات غريبة عن مجتمعاتنا ولا تمثل الأغلبية فيه، حتى لو كان التسامح معها من باب التعارف وتقبل الآخر؟
عاود هذا السؤال فرضه على نفسي في هذه الأيام بالذات بعد الفيديو الاخير الذي تناولته مواقع التواصل الاجتماعي عن فقرة استعراضية لطلبة أندونيسيا في جامعة اليرموك الأردنية قامت فيه بتقديم مشهد تمثيلي راقص لإحدى أساطير بلادهم، ظهر فيها تمثال شيطاني لساحرة معروفة في تلك الأسطورة، وأفراد يطوفونّ حوله يؤدون حركات راقصة وكأنها شعائر وطقوس كانت تقام هناك، مشاركتهم هذه كانت جزء يخدم فكرة المهرجان الذي أقيم للتعارف على ثقافات الطلاب المختلفة، ولكن هذا لم يقبل من كثير من الطلاب الأردنيين والعرب في المناسبة والمشاهدين له على مواقع التواصل، واستنكر هؤلاء قبول الجامعة لإقامة مثل هذه الفقرات.
وهنا إذا أردنا أن نقف على الأسباب في سوء الفهم هذا وعدم التسامح المعيب فأعتقد أنه يمكن حصرها في ثلاث نقاط:
الأولى: تكمن في جهل المسلم بدوره الحضاري فيما يسمى بالأمية الحضارية، وحال الضعف والهوان الذي يعيشه بشكل عام في وسط باقي الشعوب المتحضرة، فالعربي والمسلم مهاجم في ثقافته في كل مكان ومن كل مصدر، ووسائل الإعلام المختلفة والتفاعلية منها على وجه أخص أصبحت تحيط بالزمكان الخاص به، كما يحلوا للفلكيين تسميته، وهي مليئة بالصور السلبية الهجومية عنه هو تحديدا وتصويره بالهمجي المتأخر، كذلك هو لا يجد في مخزون ذاكرته ما قد حققه للبشرية في العصر الحديث سوى أمثلة الفوضى وانعدام النظام في مجتمعه وضعف الإنتاج العلمي والصناعي، فينتج عن ذلك خلل سلبي واضح في توازنه الداخلي وضعف وهشاشة في الشخصية الحضارية بشكل عام، وهنا يصبح التسامح في نظره إنبطاحا.
النقطة الثانية: إنعدام ثقته في غالية أنظمتنا العربية ومنظومتها الخدمية داخل المجتمعات، حيث يرسخ اعتقاد داخل الفرد العربي بتبعية هذه الأنظمة للغرب واستعدادها للتفريط بكل ما من شأنه حمايته وحماية خصوصياته الثقافية، في مقابل ذلك زيادة هجمات الغرب الممنهجة والمدروسة والذكية والتي تحمل ثقافة وحضارة مخالفة ومنافسة لحضارته، لذلك تجده يقوم بدور كان من الواجب أن يقوم به جهاز الدولة ومؤسساتها الأمنية، وذلك حفاظا على جذوره والتي هي من يشكل هويته، والانسان بلا جذور ستعصف به الريح مهما كانت ضعيفة، وتهوي به في مكان سحيق، لذلك لا تجده يتسامح مع أي فكر أو حدث أو مناسبة غريبة عن ثقافته.
السبب الثالث: الضعف المعرفي الحقيقي عند غالبية أبناء أمتنا وبالتالي ضعف الوعي العميق ليحل محله وعي سطحي جماهيري يعتقد صاحبه في عدم تسامحه بأنه أكثر انتماء لأمته، ليخلط بذلك بين صدق الانتماء وبين تقبل الآخر المختلف والانفتاح على ثقافته والتسامح معها، وأعتقد أن الحل يكمن بمزيد من المطالعة والمعرفة والتي تحققها القراءة والمطالعات المختلفة والمحاضرات العلمية والمهرجانات الثقافية والسفر والترحال. وهنا نعلم لماذا كانت كلمة إقرأ هي أول كلمة نزلت على خير الخلق صلى الله عليه وسلم وأول أمر له قبل أي أمر آخر يخص العقيدة أو العبادات أو التعاملات، ذلك أنك بكثرة القراءة والإطلاع تصبح أكثر قدرة على موازنة الأمور وتحليلها ونقدها وبالتالي معرفة صحتها من عدمه وتحديد موقفك منها بعد ذلك، وكلما زادت القراءة المتنوعة والمطالعات غير المسبوقة منك بأحكام على مضمونها كلما زادت هذه المهارات عندك احترافا ومهنية، ولا تكون بعدها مجرد إمعة لا تفهم ولا تعقل ولا تفقه إلا الانجرار إلى متبوع.
فأين عمر رضوان الله عليه منا نحن في هذه الأيام!!!؟
عنصرية بغيضة فاقعة بكل المقاييس، تكشف وجه الغرب المجرم ولا تترك حجة للمهزومين من أبناء أمتنا كي يسوقوه، في نفس الوقت لسنا بانتظار نعوم تشومسكي، المفكر الأمريكي اليساري، كي يرفع مكانتنا، فنحن العرب تحديداً اختارنا ملك الملوك كي يصطفي منا خير من على هذه الأرض ويسخر من رجالنا من يخلصوا لمن اصطفاه ويؤازروه ويناصروه وينشروا دينه في أسقاع المعمورة، واختار لغتنا كي يخاطب بها البشرية جمعاء، كل ذلك بإذنه وإرادته سبحانه
بقي أن نقول أن العدل والإنصاف عند تشومسكي له عدة أوجه وأكثر من مكيال، فهو لا يرى حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم التي اغتصبها منهم أهل دين آبائه وأجداده، لا يرى فيه حقاً أصيلاً يمكن تطبيقه،
نعوم تشومسكي هذا الذي يسوقه لنا حكام العالم الجدد هو من أنبياء الدين الجديد، دين الدجال، دين الإلحاد والملحدين، ولكن بغطاء إنساني رقيق وهش، خدع ومازال يخدع الكثير من أبناء البشرية بل غالبيتها، دين لا يعترف بإله، وينصب العلم ونتاجه من دراسات في كل المجالات ومنها العلوم الإنسانية والمجتمعية وما نتج وينتج عنها من قوانين تحكم الأرض، يرى في العلم ونتواجه إلهاً حاكماً لهذا الكون. يخلط فيه بعض الخير "المزيف" من حرية وعدالة ومساواة بين جميع الأعراق والأفكار، مع كثير من الشر وعلى رأسها إنكار الخالق جل جلاله وتعالت أسمائه وصفاته
لا تشرشل ولا تشومسكي من يقيم لنا الأشياء ويرشدنا طريقنا.
قال تعالى:
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا* أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً* ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَاتَّخَذُواْ آياتي وَرُسُلِي هُزُواً} (103-107) الكهف
أخرج أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن حبان، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف، عصم من فتنة الدجال"
**************