مرحباً بك

هنا موقع مشروع [بث تجريبي}-خربشات
وهو الجزء النصي والمتمم لباقي أجزاء المشروع، التي هي على التوالي:

مشروع [بث تجريبي}-العالم صور على موقعFlickr
مشروع [بث تجريبيّ}-أشياء في فيديو على موقع You Tube

هذه بعض سطور تبين كيفية عمل المدونة، والتي مازالت مكوناتها الرئيسية تحت التحرير و الإنشاء.
بعد هذه الكلمة التوضيحية، تظهر لك الرسالة الأحدث من تاريخ النشر.
إذا أردت جميع الرسائل المجتمعة تحت مسمى واحد، فعليك باختيار المسمى من قائمة "التسميات" في الجانب الأيمن.
أما إذا أردت أن تعرف أكثر عن باقي أجزاء المشروع، فاذهب إلى عنوان مشروع [بث تجريبي} في نهاية الصفحة.

الأربعاء، مارس 27، 2013

الرسالة الحرباء


 تعودنا أن نرى من هوليوود صناعة ترفية غاية في الاتقان والحرفية، للدرجة التي أدمن فيه الكثير منا على متابعة أخبارها وإنتاجاتها أولاً بأول. وليس خفياً على الإعلاميين والمحللين الآن وكثير من عامة المشاهدين بأن هذه الحرفية العالية في الإنتاج وهذه التكاليف الباهظة في الصناعة تحمل في مادتها رسائل معينة لأصحاب توجهات معينين، قد نتفق معها وقد نختلف كل الاختلاف، لذلك تنشط في الدول المتقدمة جمعيات ومنظمات غير ربحية متخصصة لتوعية الجماهير وبالذات طلاب المدارس في كيفية التعامل مع وسائل الإعلام المتنوعة وتدريب قدراتهم على تحليل رسائلها المختلفة، حيث تترك لهم في النهاية الحكم في درجة تأييدهم لها، وبذلك لا يكونوا كالإسفنجة في تناول ما هب ودب.

من الرسائل الإعلامية التي تتصف بخبثها ما تعطي المشاهد في ظاهرها صورة إيجابية معينة كرسالة مباشرة بينما يتوصل المشاهد في آخر مشاهدة المادة إلى نقيض هذه الصورة تماماً كرسالة غير مباشرة هي ما يصبو منتجي المادة إلى توصيلها بدهاء.

كي نقرب المسألة أكثر، العديد من أفلام هوليوود تبعت هذا التكنيك في صياغة سيناريو الفيلم، على سبيل المثال لا الحصر،    
فيلم " Children of Men" من إنتاج 2006 للمخرج "ألفونسو كارون"، والذي كتبه للشاشة هو و"تيموثي سيكستون" وآخرون.

 الفيلم في قصته الأصلية يوهم المشاهد بأنه يعنى بقصة الأفريقية المهاجرة إلى بريطانيا بطريقة غير شرعية، والحبلى في زمن انتشر فيه العقم، حيث كان آخر مولود استلمه العالم قبل تسعة عشر عاماً، كيف يمكن للبطل أن يخرجها من البلاد –وهو الذي ساعد في دخولها- دون أن يصيبها أي سوء ودون أن يعرف الجيش الفاشي بحملها.  في أثناء أحداث الفيلم المثيرة توهمك الرسالة المباشرة بتعاطفها مع المهاجرين المتواجدين في أوروبا ومنهم العرب والمسلمين، حيث يظهر بطل الفيلم "كليف أوين" متعاوناً مع الحركات اليسارية التي تدافع عن حقوق المهاجرين، بعد أن يتعرف على صديقته السابقة، والتي تقوم بدورها النجمة "جوليان مور" وإذا هي إرهابية مطلوبة للأمن البريطاني بتهمة إرتكاب أعمال تخريبية من خلال قيادتها لجماعة يسارية مناصرة لحقوق الإنسان وبالتالي لحقوق المهاجرين حتى غير الشرعيين ماداموا قد وصلوا للأراضي الأوروبية، هذه الحركة اليسارية باعتراف رئيستها كانت قد لجأت إلى العنف و التفجير في بداية نشاطها فقط، مما يجعل الدولة تستخدم إسمها كستار لتفجيرات تقوم بها هي "أي الحكومة" لتغيير الرأي العام ضد المهاجرين وضد اليسار الذي غالباً ما تكون قياداته في الفيلم من أهل البلد الأصليين إضافة إلى المهاجرين، وتظهر في الفيلم مشاهد قاسية لملاحقة هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين والقبض عليهم والتعامل معهم بطرق وحشية غير إنسانية، ووضعهم في أقفاص كالحيوانات، مما ينتج عنه أعمال عنف من جانب المهاجرين وحمل السلاح ضد الدولة فتزيد الأخيرة من شدة قبضتها الأمنية بملاحقتهم وتقتيلهم، حيث تبدو العملية أشبه بالتطهير العرقي المفعم بالحقد والعنصرية.

أنت في هذه المشاهد تصلك الرسالة المباشرة الإيجابية والتي هي ضد العنصرية وضد التطهير العرقي ومع حقوق وآدمية وإنسانية كل البشر ومن مختلف الثقافات، ولكن ومن خلال أحداث الفيلم واستعراضه لحال اليسار والمهاجرين والسكان الأصليين والجيش تصلك الرسالة المبطنة والتي تتوصل إليها أنت كمشاهد بعد ربطك ومقارنتك للمشاهد المختلفة في نتيجة مفادها أن هؤلاء المهاجرين هم وباء على الحضارة الأوروبية وعلى أهلها بسبب همجيتهم وتخلفهم الشديد وقذارة معيشتهم وأحيائهم، وأخلاقهم السيئة حتى مع من يساعدونهم ويقفون إلى جانب حقوقهم من السكان الأصليين. هذه المشاهد الغاية في السلبية للمهاجرين تظهر باستمرار في الفيلم مع صوت التكبيرات أو مع ظهور عبارات ثورية مكتوبة على الجدران باللغة العربية.

  
مثال آخر هو في الفيلم الذي رشح عِنيةً للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي في أوسكار 2004 وأعني هنا فيلم "بارادايس ناو" للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، والذي لإعطائه دعاية أكبر إعترضت الحكومة الإسرائيلية على ترشيحه للأوسكار بعدما فاز
بجائزة جولدن جلوبال عن أفضل فيلم أجنبي، وأحدث مشاركته في حفل الأوسكار ضجة إعلامية كبيرة كانت كما خطط لها صانعيها لصالح الفيلم وحجم مشاهدته وبالذات في الأراضي الفلسطينية التي هي كما أعتقد هدف المنتجين. الفيلم في رسالته المباشرة الواضحة كانت عن مدى معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال ومحاولاته العنيدة للخلاص من جحيم الحياة التي يخلقها هذا الاحتلال، بينما الرسالة المبطنة والمخفية كانت ضد العمليات الاستشهادية داخل الكيان الاسرائيلي والتي وصمها الفيلم بالعار وقام بالتشكيك بصحة المعتقد المحفز لها، كما قام بإطفاء بريق نتائجها و التسخيف من قيمة إنتصاراتها. هي رسالة للشباب الفلسطيني ولكل الشباب العربي والمسلم. وهنا نسجل أن العمليات الانتحارية ضد الأبرياء والمرفوضة من العقلاء تختلف عن العمليات الاستشهادية ضد جيش العدو، والتي تضع صاحبها في قمة مراتب الشرف والشجاعة. المضحك المبكي أن الشركة المنتجة وإسمها " وورنار إندبندنت بيكتشارز"، هي إحدى الشركات التي تم تأسيسها كوليد جديد من الشركة الأم والتي هي من أكبر شركات هوليوود وأعني شكة "وورنار براذارز"، إحدى شركات تايم وورنار، حيث أنشأت الشركة الجديدة، علها تحظى بمصداقية أكبر، و لمواكبة موضة السينما المستقلة والتي أصبحت تلقى إقبالاً متزايداً لدى الجمهورالذي يحاول أن يخرج من       سيطرة الشركات الإعلامية الكبرى متعدية القارات، ومن توجهاتها التي باتت مفضوحة للعامة.



الثلاثاء، مارس 12، 2013

الغادر هوعدوٌ للإسلام




بعد أن شاهدت فيديو طرد مذيع قناة وصال لضيفه الأستاذ حسن المالكي أصبت باشمئزاز كبير من فظاظة وخسة التصرف، وأثارني هذا لكتابة بعض الكلمات علّي أوضح أموراً في غاية الخطورة قد تلتبس على البعض، و لست هنا لأدافع عن أفكار المالكي أو غيره، ولكن والحق يقال أن ما رأيته في هذا الرابط لا يمت بصلة لأخلاق البشر الأسوياء عاديك أن تكون أخلاق أهل السنة والجماعة والتي هي من أخلاق الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، إنما هؤلاء هم فئة موجودة في كل مجتمع تتبنى التنطع والتشدد والانغلاق، وتتقن خطاب الكراهية والطائفية بل وحتى العنصرية مشددين أن ذلك كله نصرة للدين ولرسول الله ولصحابته الأطهار، هم ينسبون أنفسهم لأهل السنة والجماعة، وأهل السنة والجماعة براء من هذه الأخلاق والتصرفات التي رأيتها في هذا الفيديو. 
 ولا أدري حقيقة لأي أخلاق يريد أن يؤسس أمثال هذا المذيع مدير المناظرة وأمثال هؤلاء من المتنطعين، فمن المعلوم عرفاً بأن مدير المناظرة عليه أن يتحلى بأخلاقيات معينة أهمها الحياد والإنصاف والصبر، والضيف حينما يقبل المناظرة والتحدث في دار خصمه يكون قد أيقن بأن داعيه قد انصاع لهذا العرف،  أما أن يدعوا مدير المناظرة الضيف إلى داره وقد بيت الإساءة له بليل،  ثم إذا جلس أمامه وتأكد أن الحلقة تبث على الهواء إنهال عليه بالسب وبالشتائم متحصناً في كونه بين أهله وجماعته ومستغلاً ضعف موقف الضيف، كونه غريباً في المكان،  فليس ذلك من الأخلاق في شيء بل أقل ما يقال في هذا الموقف أنه أخلاق وضيعة يتصف بها الجبناء، وحاشى لله أن تكون من أخلاق المسلم، والمضحك المبكي أنه ناداه للمناظرة ثم منعه من الرد وهو في هدير شتمه وسبابه عليه.  
 إن الله سبحانه حين دعى للمناظرة بين المختلفين في الرأي وحتى المختلفين في العقيدة كان ذلك لتأسيس منهج سلمي علمي موضوعي في النقاش لتجنب الاحتقان بين المختلفين الذي قد يؤدي للاقتتال والدم، ولكن مذيع القناة فعل العكس تماماً وكأنه أراد المناظرة للتحريض وإشعال نيران الغضب عند الطرف الآخر. صفة الغدر والتي هي من صفات المنافقين لا يمكن أن تأسس إلى خير.

 هذا ما نقوله أيضاً للجماعات المتشددة والتي تتخذ من التفجيرات الغادرة أسلوباً في تحقيق هدفها في إقامة خلافة أو حكم إسلامي، فأي أخلاق يريد أن يؤسس ذاك الذي فجر نفسه في مسجد لجماعة مختلفة عنه في المذهب انتظرهم حتى سجدوا لله ثم اغتالهم غدراً، أو غدر بهم في مقهى أو شارع أو حفلة زفاف أو مجلس عزاء، إن دين يعتبر بأن أهم أسلحته الغدر والخلسة هو ليس بدين ويجب جميعاً أن نتبرأ منه. وما أتعجبه أن هنالك كثر من العامة ممن يعتبرون هذه الحركات حركات جهادية وأن قادتها فرسان الإسلام المجاهدين، رغم أن أحداً من المشايخ الثقات والهيئات العلمية الشرعية المختلفة ولجان الإفتاء، لم يفتِ بجواز أو صحة ما يقوم به هؤلاء من تفجيرات غادرة، ولكن العامة من الناس ينطلي عليهم زهد هؤلاء في المنظر وخطابهم الديني الحاسم في زمن قل فيه للمسلمين الحسم والفعل الصحيح على الأرض، وكثرت فيه الخطابة المثالية المشلولة، والتي لا واقع فعلي لها يمثلها، أضف إلى ذلك خروج هؤلاء على أنظمة تعتبرها الشعوب في معظمها غير ممثلة لها وليست هي الصورة المثلى للإسلام، بل أن كثيراً منها قد ضحى بكل ماء وجهه لحساب مصالحه الشخصية، وبدى أمام شعبه فاقد للمروءة وخائن لأمته، في الوقت الذي يظهر به هؤلاء المقاتلين بصورة المجاهد الشجاع الذي خرج على هذه الأنظمة وترك معيشة المدن المطمئنة وارتضى حياة الجبال والكهوف في سبيل إقامة دولة العدل والإنصاف، ولا أدري أي عدل وإنصاف سيقوم على الغيلة غدراً والتدمير خلسة وبكل جبن. أقول لإخوتي: حتى ولو لم يعجبكم حكامكم، احترسوا من هؤلاء الغادرين، ولا يلبسوا عليكم دينكم، فمثل هذه الأخلاق حاش لله أن تكون من أخلاق الإسلام.

رابط للفديوالمشار إليه:



الاثنين، مارس 04، 2013

حول مشروع قناة "الجزيرة الوثائقية" الرائد



حول مشروع قناة "الجزيرة الوثائقية" الرائد

المجتمعات العربية وعولمة المفاهيم

قبل قليل إنتهيت من مشاهدة وثائقي أمريكي جميل على قناة الجزيرة الوثائقية يحمل عنوان " حاسة السمع هل تعوضها الأجهزة" ، يتناول تجربة زوجان أصمان قررا وهما في سن الخامسة والستين خوض تجربة عملية متقدمة أعلن عنها حديثاً تتلخص في زرع جهاز متقدم في قوقعة الأذن يقوي العصب المتصل بالدماغ والمختص بالسمع وذلك بتقوية وتضخيم الأصوات عبر جهاز خارجي يوضع لاحقاً على الأذن، خلال هذه الرحلة للزوجين الأبوين والتي يستعرضها الوثائقي بمدة تقرب من الساعة لا تشعر خلالها بأي ملل حيث يقدم المخرج ببراعة تلك المشاعر الإنسانية النقية للزوج والزوجة قبل العملية، وكيف بدأت الزوجة مشوار حياتها منذ سنواتها الأولى وهي تفتقد لحاسة السمع. ويروي والدها كيف انقبض قلبه ووالدتها عندما توصلى إلى هذه النتيجة، حيث كانت الإبنة على حضنه ثم نزلت وقد أعطته ظهرها فقام بهز جرس شبيه بالجرس الذي ينده به النادل فلم تكترث الطفلة ولم تلتفت لوالدها وللصوت فأيقنا حينها أن طفلتهما تعاني مشكلة بالسمع وقد تكون فعلاً صماء، ويسرد الفيلم بشكل مختصر ومبسط أهم محطات حياتها وصولاً بزواجها من زوج أصم قد تلقى نفس التدريب الذي تلقته في القدرة على قراءة الشفاه والنطق بأقرب ما يمكن للحن الكلمة الصحيحة عبر تعلم كيفية نطق مخارج الحروف. نفس الأمر بالنسبة للزوج حيث يستعرض الزثائقي معه أيضاً أهم محطات حياته وهو يحمل هذا العطل بهذه الحاسة الجميلة.
من أكثر المشاهد تأثيراً حينما بكت الزوجة أثناء روايتها متى وكيف شعرت بأنها مختلفة عن الآخرين حيث في طفولتها المبكرة وفي أثناء رحلة كشافة انضمت إليها انفض عنها جميع قريناتها وقرنائها ولم تستطع هي أن تجتذبهم إليها لعدم قدرتها على التواصل معهم،  فأيقنت حينها كم هي شخص مختلف. كما كان هناك مشاهد مؤثرة كثيرة في مثل لحظة خروجها إلى البراري الشاسعة القريبة من منزلها وهي تقول " أنا لا أسمع شيئاً حيث لا أرى شيئاً يتحرك، ولكن يقولون لي أن هناك أصوات، أصوات العصافير، أصوات الحشرات، صوت الهواء، لكني لا أسمع شيئاً منها" ثم أخذت أغصاناً جافة من نباتات برية حولها وبدأت بتكسيرها وهي تقول " هل هذا يصنع صوتاً الآن، ربما... لكني لا أسمعه".

دخلنا معها غرفة العمليات وشاهدنا أجزاءً من العملية، تماماً مثل زوجها الذي أجرى العملية هو الآخر بعدها بأسبوع، وتخرج الزوجة من المستشفى وقد بدأت تتعرف على أصوات جديدة هي أشبه بضجيج بالنسبة لها، فتستخدم مفتاح إنارة ممر الصالة لأول مرة بعد العملية  لتسمع صوتاً جديداً لم تكن تسمعه طيلة تعاملها في السنوات السابقة مع هذا المفتاح، كذلك الحال مع صوت مجفف الشعر الهوائي وأجهزة أخرى اعتادت على استخدامها سابقاً. واستطاع المخرج أن ينقل لنا مدى عمق مشاعر الحزن عند الزوجة بعد انقضاء عدة أسابيع من العملية وقد كان زوجها أكثر استجابة في قدرته على سماع الأشياء وتمييزها في الوقت الذي لم تستطع فيه هي أن تدرب قدراتها على ممايزة الأصوات التى تهمها في موقف ما عن باقي الأصوات المحيطة في هذا الموقف، مما جعلها تتلقى ضجيجاً متعباً لدماغها الذي اعتاد الهدوء الصامت لمدة طويلة، ما جعلها تشعر بأنها بالاضافة إلا كونها قد دخلت في مشاكل جديدة، فهي قد فقدت في الوقت نفسه رفيق عمرها الذي كان متساوياً معها في القدرات، رغم أنه كان يأكد لها وفاءه وعزمه على انتظارها حتى تلحق به. وقضينا معهما حتى مرور سنة كاملة بعد العملية وقد تحسنت قدرتهما على التأقلم مع هذه المعارف الصوتية الجديدة، لكنهما اعترفا أنهما كانا ينتظران من هذه العملية ماهو أكثر.

إنتهيت من مشاهدة هذا الوثائقي الطويل وقد تركني متأثراً بمشاهد كثيرة عاشت معي لفترة ليست بالقصيرة. هذه المشاهد وهذا التأثر حمل الكثير من الرسائل المباشرة والغير مباشرة "والتي أراد منتجوا الفيلم إيصالها"، من هذه الرسائل ما وعيناها، ومنها ما خزنته أدمغتنا في اللاوعي بحيث يظهر تأثيرها علينا وعلى مفاهيمنا دون أن نلحظ السبب في هذا التأثر أو هذا التغيير. وأدركت بعدها كم نحن بحاجة لإنتاجات جادة توصل ما نريد إيصاله للجمهور بطرق ذكية وبسيطة، وغير متصنعة في نفس الوقت, فلقد استطاع هذا الفيلم أن يجمع بيني وبين شعوب علاقتنا معها "على أقل تقدير" ليست على مايرام، وذلك بسبب سياسات أنظمتها الرسمية، كما نجح في تسجيل احترامي لها ولثقافتها التي تحرضها وباستمرار على عدم الاستسلام وعلى الاصرار على النجاح في الحياة مهما كانت العوائق والظروف، كما لم أشعر مطلقاً بأي حساسية عندما احتفل الزوجان مع ولديهما وأحفادهما بأعياد الميلاد المسيحية، أو عندما صليا ليسوع كي يبارك ما سيقدمان عليه من خطوة جريئة تتمثل بالعملية سابقة الذكر، وكم أشعرتنا هذه الأحاسيس الإنسانية "والتي أوصلها الوثائقي ببراعة" أننا متساوين كبشر، ونمتلك جميعنا نفس المشاعر والأحاسيس. كل هذا لكم من التطبيع كان رغم ظهور صورة العلم الأمريكي البغيض (على الأقل بالنسبة لي) في أكثر من مشهد، وظهور أحد الأشخاص ذوي الرتبة العليا في الجيش في مشهد لا يتعدا الخمس ثواني وكأن الوثائقي يقول في رسالة غير مباشرة هذا هو العلم الذي يبجله ويموت من أجله هذا الشعب كما هذا هو جيشه والذي يحمي ثقافتة وأخلاقياته التي احترمتها أنت كمشاهد وتوافقت معها.                                                                                  

بالمقارنة: نجد أن أصحاب التوجهات والعقائد المختلفة في عالمنا العربي أول ما يفكرون به هو كيف يمتلكون منبراً إعلامياً لنشر أفكارهم وتوجهاتهم ويتوقفون بعدها عند هذه الخطوة، وكأن رسائلهم وصلت وأثرت كما يريدون، و بهذه السهولة.         و تثبت الدراسات الإعلامية أن الحامل للرسالة الإعلامية " ونقصد المادة المعروضة في حالة القناة التلفزيونية" هي من أهم ما يحدد نجاح وصول هذه الرسالة لمتلقيها وقدر ما تترك به من أثر، لذلك فإن كثير من الرسائل الإعلامية تحقق هدفها بشكل عكسي تماماً، فمثلاً خطاب مباشر يحاول أن يوصل أفكار حزب أو تجمع أو عقيدة معينة بشكل إيجابي، ولكن في مستوى بث فني هندسي ضعيف قد يوصل رسالة غير مباشرة بدرجة نجاح ورفاهية وواقعية هذه الجماعة أو ذلك الحزب مهما كانت الرسالة المباشر إيجابية.

هذا يذكرني بعشرات القنوات الفضائية الدينية التي استغلت الانفتاح الإعلامي الحالي في المنطقة واعتقدت أن الموضوع فقط حجز مساحة على القمر الصناعي زائد مايكروفون زائد خطيب " أياً كان هذا الخطيب"، فأصبح الخطاب المباشر الرتيب الممل هو سمة هذه القنوات، والذي يخرج أحياناً من أشخاص وإن لم ينقصهم التحصيل العلمي إلا أنه تنقصهم المهارة في الخطابة والقدرة في إيصال المعلومة، عاديك عن أن بعضهم الآخر ينقصه كلا الأمرين ولم يخرجه إلى الشاشة إلا حجم لحيته الذي طابق المقاس المطلوب للظهور على شاشة هذه القنوات من إدارييها. متى سيعي هؤلاء أن عدد قنواتهم والذي تجاوز الخمسين لا يعدو كونه مضيعة للجهد والمال وأنه لوتظافرت جهودهم وأموالهم لإنتاج ماهو أكثر إبداعاً وذكاء، لكان أصوب لجهودهم وأكثر فائدة ومتعة للجمهور. لكني أحياناً وعند متابعة بعض هذه القنوات أحمد الله أن أمثال هؤلاء ليسوا بذلك الذكاء والحرفية الإعلامية لإيصال رسائلهم، لما تحويها من خطاب كراهية وفرقة وتزمت وتنطع في الدين وانكفاء وانغلاق على الذات ومحاربة كل محاولة للتعارف النقي السليم مع الآخر المختلف. 

وهنا أود أن أسجل إعجابي وتقديري لمشروع الجزيرة الوثائقية. فنحن كمجتمعات عربية كنا ومازلنا بحاجة لمثل هذه القناة المنتجة للعلوم والمعرفة المنفتحة، والتي في اعتقادي أطلقت كي تطبع المجتمعات العربية مع مفاهيم وأخلاقيات عالمية إنسانية راقية بعد أن أصبح الكون قرية صغيرة. مع أن هذه الأخلاقيات ليست غريبة عن ثقافة هذه المجتمعات، إلا أن عدة عوامل -منها سيطرة نفوذ الخطاب الديني الرتيب على هذه المجتمعات- أدى إلى تحويرهذه المفاهيم  لتصبح أكثر انغلاقاً، أو عمل على تجاهلها وبالتالي ضياعها وعدم الاكتراث لها حتى صارت غريبة على أسماع ومعارف البعض، ويصورها هذا الخطاب التقليدي الآن بأنها دخيلة علينا من العالم الغربي الضال.