تعودنا أن نرى من هوليوود صناعة ترفية غاية في الاتقان والحرفية، للدرجة التي أدمن فيه الكثير منا على متابعة أخبارها وإنتاجاتها أولاً بأول. وليس خفياً على الإعلاميين والمحللين الآن وكثير من عامة المشاهدين بأن هذه الحرفية العالية في الإنتاج وهذه التكاليف الباهظة في الصناعة تحمل في مادتها رسائل معينة لأصحاب توجهات معينين، قد نتفق معها وقد نختلف كل الاختلاف، لذلك تنشط في الدول المتقدمة جمعيات ومنظمات غير ربحية متخصصة لتوعية الجماهير وبالذات طلاب المدارس في كيفية التعامل مع وسائل الإعلام المتنوعة وتدريب قدراتهم على تحليل رسائلها المختلفة، حيث تترك لهم في النهاية الحكم في درجة تأييدهم لها، وبذلك لا يكونوا كالإسفنجة في تناول ما هب ودب.
من الرسائل
الإعلامية التي تتصف بخبثها ما تعطي المشاهد في ظاهرها صورة إيجابية معينة كرسالة
مباشرة بينما يتوصل المشاهد في آخر مشاهدة المادة إلى نقيض هذه الصورة تماماً
كرسالة غير مباشرة هي ما يصبو منتجي المادة إلى توصيلها بدهاء.
كي نقرب
المسألة أكثر، العديد من أفلام هوليوود تبعت هذا التكنيك في صياغة سيناريو الفيلم،
على سبيل المثال لا الحصر،
فيلم " Children of Men" من إنتاج 2006
للمخرج "ألفونسو كارون"، والذي كتبه للشاشة هو و"تيموثي سيكستون"
وآخرون.
الفيلم في قصته الأصلية يوهم المشاهد بأنه يعنى
بقصة الأفريقية المهاجرة إلى بريطانيا بطريقة غير شرعية، والحبلى في زمن انتشر فيه
العقم، حيث كان آخر مولود استلمه العالم قبل تسعة عشر عاماً، كيف يمكن للبطل أن
يخرجها من البلاد –وهو الذي ساعد في دخولها- دون أن يصيبها أي سوء ودون أن يعرف الجيش
الفاشي بحملها. في أثناء أحداث الفيلم
المثيرة توهمك الرسالة المباشرة بتعاطفها مع المهاجرين المتواجدين في أوروبا ومنهم
العرب والمسلمين، حيث يظهر بطل الفيلم "كليف أوين" متعاوناً مع الحركات
اليسارية التي تدافع عن حقوق المهاجرين، بعد أن يتعرف على صديقته السابقة، والتي
تقوم بدورها النجمة "جوليان مور" وإذا هي إرهابية مطلوبة للأمن
البريطاني بتهمة إرتكاب أعمال تخريبية من خلال قيادتها لجماعة يسارية مناصرة لحقوق
الإنسان وبالتالي لحقوق المهاجرين حتى غير الشرعيين ماداموا قد وصلوا للأراضي
الأوروبية، هذه الحركة اليسارية باعتراف رئيستها كانت قد لجأت إلى العنف و التفجير
في بداية نشاطها فقط، مما يجعل الدولة تستخدم إسمها كستار لتفجيرات تقوم بها هي
"أي الحكومة" لتغيير الرأي العام ضد المهاجرين وضد اليسار الذي غالباً
ما تكون قياداته في الفيلم من أهل البلد الأصليين إضافة إلى المهاجرين، وتظهر في
الفيلم مشاهد قاسية لملاحقة هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين والقبض عليهم والتعامل
معهم بطرق وحشية غير إنسانية، ووضعهم في أقفاص كالحيوانات، مما ينتج عنه أعمال عنف
من جانب المهاجرين وحمل السلاح ضد الدولة فتزيد الأخيرة من شدة قبضتها الأمنية
بملاحقتهم وتقتيلهم، حيث تبدو العملية أشبه بالتطهير العرقي المفعم بالحقد والعنصرية.
أنت في
هذه المشاهد تصلك الرسالة المباشرة الإيجابية والتي هي ضد العنصرية وضد التطهير
العرقي ومع حقوق وآدمية وإنسانية كل البشر ومن مختلف الثقافات، ولكن ومن خلال
أحداث الفيلم واستعراضه لحال اليسار والمهاجرين والسكان الأصليين والجيش تصلك الرسالة
المبطنة والتي تتوصل إليها أنت كمشاهد بعد ربطك ومقارنتك للمشاهد المختلفة في
نتيجة مفادها أن هؤلاء المهاجرين هم وباء على الحضارة الأوروبية وعلى أهلها بسبب
همجيتهم وتخلفهم الشديد وقذارة معيشتهم وأحيائهم، وأخلاقهم السيئة حتى مع من
يساعدونهم ويقفون إلى جانب حقوقهم من السكان الأصليين. هذه المشاهد الغاية في
السلبية للمهاجرين تظهر باستمرار في الفيلم مع صوت التكبيرات أو مع ظهور عبارات ثورية
مكتوبة على الجدران باللغة العربية.
مثال
آخر هو في الفيلم الذي رشح عِنيةً للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي في أوسكار 2004 وأعني
هنا فيلم "بارادايس ناو" للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، والذي لإعطائه
دعاية أكبر إعترضت الحكومة الإسرائيلية على ترشيحه للأوسكار بعدما فاز