مرحباً بك

هنا موقع مشروع [بث تجريبي}-خربشات
وهو الجزء النصي والمتمم لباقي أجزاء المشروع، التي هي على التوالي:

مشروع [بث تجريبي}-العالم صور على موقعFlickr
مشروع [بث تجريبيّ}-أشياء في فيديو على موقع You Tube

هذه بعض سطور تبين كيفية عمل المدونة، والتي مازالت مكوناتها الرئيسية تحت التحرير و الإنشاء.
بعد هذه الكلمة التوضيحية، تظهر لك الرسالة الأحدث من تاريخ النشر.
إذا أردت جميع الرسائل المجتمعة تحت مسمى واحد، فعليك باختيار المسمى من قائمة "التسميات" في الجانب الأيمن.
أما إذا أردت أن تعرف أكثر عن باقي أجزاء المشروع، فاذهب إلى عنوان مشروع [بث تجريبي} في نهاية الصفحة.

الاثنين، مارس 04، 2013

حول مشروع قناة "الجزيرة الوثائقية" الرائد



حول مشروع قناة "الجزيرة الوثائقية" الرائد

المجتمعات العربية وعولمة المفاهيم

قبل قليل إنتهيت من مشاهدة وثائقي أمريكي جميل على قناة الجزيرة الوثائقية يحمل عنوان " حاسة السمع هل تعوضها الأجهزة" ، يتناول تجربة زوجان أصمان قررا وهما في سن الخامسة والستين خوض تجربة عملية متقدمة أعلن عنها حديثاً تتلخص في زرع جهاز متقدم في قوقعة الأذن يقوي العصب المتصل بالدماغ والمختص بالسمع وذلك بتقوية وتضخيم الأصوات عبر جهاز خارجي يوضع لاحقاً على الأذن، خلال هذه الرحلة للزوجين الأبوين والتي يستعرضها الوثائقي بمدة تقرب من الساعة لا تشعر خلالها بأي ملل حيث يقدم المخرج ببراعة تلك المشاعر الإنسانية النقية للزوج والزوجة قبل العملية، وكيف بدأت الزوجة مشوار حياتها منذ سنواتها الأولى وهي تفتقد لحاسة السمع. ويروي والدها كيف انقبض قلبه ووالدتها عندما توصلى إلى هذه النتيجة، حيث كانت الإبنة على حضنه ثم نزلت وقد أعطته ظهرها فقام بهز جرس شبيه بالجرس الذي ينده به النادل فلم تكترث الطفلة ولم تلتفت لوالدها وللصوت فأيقنا حينها أن طفلتهما تعاني مشكلة بالسمع وقد تكون فعلاً صماء، ويسرد الفيلم بشكل مختصر ومبسط أهم محطات حياتها وصولاً بزواجها من زوج أصم قد تلقى نفس التدريب الذي تلقته في القدرة على قراءة الشفاه والنطق بأقرب ما يمكن للحن الكلمة الصحيحة عبر تعلم كيفية نطق مخارج الحروف. نفس الأمر بالنسبة للزوج حيث يستعرض الزثائقي معه أيضاً أهم محطات حياته وهو يحمل هذا العطل بهذه الحاسة الجميلة.
من أكثر المشاهد تأثيراً حينما بكت الزوجة أثناء روايتها متى وكيف شعرت بأنها مختلفة عن الآخرين حيث في طفولتها المبكرة وفي أثناء رحلة كشافة انضمت إليها انفض عنها جميع قريناتها وقرنائها ولم تستطع هي أن تجتذبهم إليها لعدم قدرتها على التواصل معهم،  فأيقنت حينها كم هي شخص مختلف. كما كان هناك مشاهد مؤثرة كثيرة في مثل لحظة خروجها إلى البراري الشاسعة القريبة من منزلها وهي تقول " أنا لا أسمع شيئاً حيث لا أرى شيئاً يتحرك، ولكن يقولون لي أن هناك أصوات، أصوات العصافير، أصوات الحشرات، صوت الهواء، لكني لا أسمع شيئاً منها" ثم أخذت أغصاناً جافة من نباتات برية حولها وبدأت بتكسيرها وهي تقول " هل هذا يصنع صوتاً الآن، ربما... لكني لا أسمعه".

دخلنا معها غرفة العمليات وشاهدنا أجزاءً من العملية، تماماً مثل زوجها الذي أجرى العملية هو الآخر بعدها بأسبوع، وتخرج الزوجة من المستشفى وقد بدأت تتعرف على أصوات جديدة هي أشبه بضجيج بالنسبة لها، فتستخدم مفتاح إنارة ممر الصالة لأول مرة بعد العملية  لتسمع صوتاً جديداً لم تكن تسمعه طيلة تعاملها في السنوات السابقة مع هذا المفتاح، كذلك الحال مع صوت مجفف الشعر الهوائي وأجهزة أخرى اعتادت على استخدامها سابقاً. واستطاع المخرج أن ينقل لنا مدى عمق مشاعر الحزن عند الزوجة بعد انقضاء عدة أسابيع من العملية وقد كان زوجها أكثر استجابة في قدرته على سماع الأشياء وتمييزها في الوقت الذي لم تستطع فيه هي أن تدرب قدراتها على ممايزة الأصوات التى تهمها في موقف ما عن باقي الأصوات المحيطة في هذا الموقف، مما جعلها تتلقى ضجيجاً متعباً لدماغها الذي اعتاد الهدوء الصامت لمدة طويلة، ما جعلها تشعر بأنها بالاضافة إلا كونها قد دخلت في مشاكل جديدة، فهي قد فقدت في الوقت نفسه رفيق عمرها الذي كان متساوياً معها في القدرات، رغم أنه كان يأكد لها وفاءه وعزمه على انتظارها حتى تلحق به. وقضينا معهما حتى مرور سنة كاملة بعد العملية وقد تحسنت قدرتهما على التأقلم مع هذه المعارف الصوتية الجديدة، لكنهما اعترفا أنهما كانا ينتظران من هذه العملية ماهو أكثر.

إنتهيت من مشاهدة هذا الوثائقي الطويل وقد تركني متأثراً بمشاهد كثيرة عاشت معي لفترة ليست بالقصيرة. هذه المشاهد وهذا التأثر حمل الكثير من الرسائل المباشرة والغير مباشرة "والتي أراد منتجوا الفيلم إيصالها"، من هذه الرسائل ما وعيناها، ومنها ما خزنته أدمغتنا في اللاوعي بحيث يظهر تأثيرها علينا وعلى مفاهيمنا دون أن نلحظ السبب في هذا التأثر أو هذا التغيير. وأدركت بعدها كم نحن بحاجة لإنتاجات جادة توصل ما نريد إيصاله للجمهور بطرق ذكية وبسيطة، وغير متصنعة في نفس الوقت, فلقد استطاع هذا الفيلم أن يجمع بيني وبين شعوب علاقتنا معها "على أقل تقدير" ليست على مايرام، وذلك بسبب سياسات أنظمتها الرسمية، كما نجح في تسجيل احترامي لها ولثقافتها التي تحرضها وباستمرار على عدم الاستسلام وعلى الاصرار على النجاح في الحياة مهما كانت العوائق والظروف، كما لم أشعر مطلقاً بأي حساسية عندما احتفل الزوجان مع ولديهما وأحفادهما بأعياد الميلاد المسيحية، أو عندما صليا ليسوع كي يبارك ما سيقدمان عليه من خطوة جريئة تتمثل بالعملية سابقة الذكر، وكم أشعرتنا هذه الأحاسيس الإنسانية "والتي أوصلها الوثائقي ببراعة" أننا متساوين كبشر، ونمتلك جميعنا نفس المشاعر والأحاسيس. كل هذا لكم من التطبيع كان رغم ظهور صورة العلم الأمريكي البغيض (على الأقل بالنسبة لي) في أكثر من مشهد، وظهور أحد الأشخاص ذوي الرتبة العليا في الجيش في مشهد لا يتعدا الخمس ثواني وكأن الوثائقي يقول في رسالة غير مباشرة هذا هو العلم الذي يبجله ويموت من أجله هذا الشعب كما هذا هو جيشه والذي يحمي ثقافتة وأخلاقياته التي احترمتها أنت كمشاهد وتوافقت معها.                                                                                  

بالمقارنة: نجد أن أصحاب التوجهات والعقائد المختلفة في عالمنا العربي أول ما يفكرون به هو كيف يمتلكون منبراً إعلامياً لنشر أفكارهم وتوجهاتهم ويتوقفون بعدها عند هذه الخطوة، وكأن رسائلهم وصلت وأثرت كما يريدون، و بهذه السهولة.         و تثبت الدراسات الإعلامية أن الحامل للرسالة الإعلامية " ونقصد المادة المعروضة في حالة القناة التلفزيونية" هي من أهم ما يحدد نجاح وصول هذه الرسالة لمتلقيها وقدر ما تترك به من أثر، لذلك فإن كثير من الرسائل الإعلامية تحقق هدفها بشكل عكسي تماماً، فمثلاً خطاب مباشر يحاول أن يوصل أفكار حزب أو تجمع أو عقيدة معينة بشكل إيجابي، ولكن في مستوى بث فني هندسي ضعيف قد يوصل رسالة غير مباشرة بدرجة نجاح ورفاهية وواقعية هذه الجماعة أو ذلك الحزب مهما كانت الرسالة المباشر إيجابية.

هذا يذكرني بعشرات القنوات الفضائية الدينية التي استغلت الانفتاح الإعلامي الحالي في المنطقة واعتقدت أن الموضوع فقط حجز مساحة على القمر الصناعي زائد مايكروفون زائد خطيب " أياً كان هذا الخطيب"، فأصبح الخطاب المباشر الرتيب الممل هو سمة هذه القنوات، والذي يخرج أحياناً من أشخاص وإن لم ينقصهم التحصيل العلمي إلا أنه تنقصهم المهارة في الخطابة والقدرة في إيصال المعلومة، عاديك عن أن بعضهم الآخر ينقصه كلا الأمرين ولم يخرجه إلى الشاشة إلا حجم لحيته الذي طابق المقاس المطلوب للظهور على شاشة هذه القنوات من إدارييها. متى سيعي هؤلاء أن عدد قنواتهم والذي تجاوز الخمسين لا يعدو كونه مضيعة للجهد والمال وأنه لوتظافرت جهودهم وأموالهم لإنتاج ماهو أكثر إبداعاً وذكاء، لكان أصوب لجهودهم وأكثر فائدة ومتعة للجمهور. لكني أحياناً وعند متابعة بعض هذه القنوات أحمد الله أن أمثال هؤلاء ليسوا بذلك الذكاء والحرفية الإعلامية لإيصال رسائلهم، لما تحويها من خطاب كراهية وفرقة وتزمت وتنطع في الدين وانكفاء وانغلاق على الذات ومحاربة كل محاولة للتعارف النقي السليم مع الآخر المختلف. 

وهنا أود أن أسجل إعجابي وتقديري لمشروع الجزيرة الوثائقية. فنحن كمجتمعات عربية كنا ومازلنا بحاجة لمثل هذه القناة المنتجة للعلوم والمعرفة المنفتحة، والتي في اعتقادي أطلقت كي تطبع المجتمعات العربية مع مفاهيم وأخلاقيات عالمية إنسانية راقية بعد أن أصبح الكون قرية صغيرة. مع أن هذه الأخلاقيات ليست غريبة عن ثقافة هذه المجتمعات، إلا أن عدة عوامل -منها سيطرة نفوذ الخطاب الديني الرتيب على هذه المجتمعات- أدى إلى تحويرهذه المفاهيم  لتصبح أكثر انغلاقاً، أو عمل على تجاهلها وبالتالي ضياعها وعدم الاكتراث لها حتى صارت غريبة على أسماع ومعارف البعض، ويصورها هذا الخطاب التقليدي الآن بأنها دخيلة علينا من العالم الغربي الضال.


ليست هناك تعليقات: