مرحباً بك

هنا موقع مشروع [بث تجريبي}-خربشات
وهو الجزء النصي والمتمم لباقي أجزاء المشروع، التي هي على التوالي:

مشروع [بث تجريبي}-العالم صور على موقعFlickr
مشروع [بث تجريبيّ}-أشياء في فيديو على موقع You Tube

هذه بعض سطور تبين كيفية عمل المدونة، والتي مازالت مكوناتها الرئيسية تحت التحرير و الإنشاء.
بعد هذه الكلمة التوضيحية، تظهر لك الرسالة الأحدث من تاريخ النشر.
إذا أردت جميع الرسائل المجتمعة تحت مسمى واحد، فعليك باختيار المسمى من قائمة "التسميات" في الجانب الأيمن.
أما إذا أردت أن تعرف أكثر عن باقي أجزاء المشروع، فاذهب إلى عنوان مشروع [بث تجريبي} في نهاية الصفحة.

الثلاثاء، أبريل 28، 2009

مخرج "ناس الغيوان" في عمّان


عاصم المصري


في عرض أول في عمان للفيلم المغربي "قلوب محترقة"، وضمن مهرجان الفيلم العربي الفرنسي الرابع عشر أمتعنا المخرج المغربي أحمد المعنوني ولمدة تجاوزت ال83 دقيقة بفيلمه الأخير، والذي يمكن القول لمن يعشق ألوان التراث المغربي الغني بأن هذا هو فيلمه بلا منازع.

فبعشوائية مدروسة في السرد، كما الحياة في فوضاويتها، يأخذنا المخرج في رحلة ممتعة بين أزمان وأمكنة وزوايا وشخصيات متنوعة في حبكتها ومختلفة، تحت غطاء موسيقي غنائي شعبي صوفي مغربي يلازم الفيلم طيلة أحداثه ليخدم النص ويخدم هذا التنوع وليترك المشاهد في نهاية الفيلم تحت تأثير إشباع ممتع بفعل وجبة دسمة وغنية من هذا التراث.

نضيع في متاهات الفيلم دون نصوص تحمل رسائل مباشرة تفرض توجهها على عقل المشاهد . متاهات الحواري والأزقة، المقاهي والمساجد، البيوت والقصور والساحات والتي جميعها تزينها الزخارف والنقوش المغربية الجميلة والتي تسحب أنفاسها من عبق التاريخ لتزيدها جمالاً، وليتوصل المشاهد من هذه المتاهات إلى قصص قد يكون بعضها غير مكتمل لتثير في داخله قضايا بالغة الأهمية عبر مشاهدة متكاملة.

وأستغرب حقاً كيف لمخرج بهذه القدرة على الإبداع والتحكم بأدوات السينما واستغلال طاقات الممثلين أن ينقطع عن جمهوره وعن السينما - والتي يُظهر هذا الفيلم عشقه الكبير لها- طيلة أكثر من خمس وعشرون سنة، فبعد فيلمه المميز"الأيام.. الأيام" (1978) ثم فيلم "الحال" (1981) عن فرقة ناس الغيوان الموسيقية الشعبية الشهيرة، شاء المعنوني أن يبتعد عن السينما وعالمها، عدا بعض الأعمال الوثائقية التلفزيونية كان آخرها فيلماً وثائقياً قصيراً في سنة 1993.

يثير هذا الفيلم قضية بالغة الأهمية تتمثل بتسليط الضوء على الذات المقهورة في عالمنا العربي والتي يمارس عليها القمع والقهر منذ ولادتها وحتى من أقرب الناس إليها بحجج كثيرة أصبحت الآن ومع الإنفتاح الكبير على باقي أجزاء العالم، حججاً واهية حتى وإن تزل تستخدم لإضفاء شرعيتها نفس المبررات والأسباب التي كانت تستخدمها في السابق.

كما يطرح قضية لا تقل أهمية في فكر الشعوب في عالمنا العربي والعالم الثالث بشكل عام ، تتمثل في ما تطمح له من تغيير ومن حلم انتشال مستقبلها من حاضر بائس، كذلك قصور هذا الفكر في تحديد ماهية هذا التغيير وكيفياته، وتبني هذه الشعوب للقشور من الحلول بحلمها في الهجرة والسفر وترك هذا البؤس دون تفكيرها الجدي بكيفية المواجهة والإصلاح الجذري لما هي فيه من ضياع ويأس.

فضل المخرج أثناء مشاهد الفيلم (فيما عدا مشهدين) تصويرها بالأبيض والأسود كي يعكس برأيي مدى مايفتقده سكان مدينة فاس (أبطال الفيلم) من جماليات هذه المدينة التراثية في كل شارع وزاوية ومكان، فهم أسرى لحلم الهجرة، الذي أفقدهم بدوره القدرة على إدراك هذه الكنوز بألوانها الحسية الملموسة، والمعنوية المتعلقة بما تحمله من مضمون ومفاهيم.

هذا في ماعدا بطل الفيلم "أمين"، (الفنان هشام بهلول) والذي عاد من باريس إلى مدينته فاس، بعد دراسة الهندسة المعمارية بهدف لقاء خاله وهو على فراش الموت عله يجيب أسئلته الملحة والمؤلمة عن والدته التي فقدها في صغره وعن أسباب معاملته المؤلمة له في صباه دون سبب يذكر سوى أنه يمارس دوراً أجازه له المجتمع التقليدي كونه أصبح بعد وفاة والدته الوصي عليه وصاحب الحق في سلوك أقسى درجات العقوبة معه بحجة تربيته وإصلاحه. يظل طيلة مدة الفيلم على أمل أن يصحو هذا الخال أو أن يستطيع الكلام كي يجيب على أسئلته ولكن دون جدوى حتى تتوفاه المنية، فيحاول بعدها "أمين" كبت أحزانه و دفن هذا الماضي مع جثمان خاله في رمال الصحراء وحرق الصور والمذكرات القديمة، عله بذلك يمسحها من ذاكرته، وهو ما أظهره المخرج في نهاية الفيلم في مشهد يجمع فيه البطل وحبيبته "حورية" والتي كانت تسعى للهجرة إلى باريس، وهما يرقصان مع باقي فريق الحي بسعادة ورضى وكأنهما فضلا التصالح مع بيئتهما عن الهجرة إلى بيئة مغايرة كلياً.

قد تشعر في المرة الأولى لمشاهدة الفيلم بأنه يحمل رسالة ثنائية تنعكس من ثنائية الطرح، حيث "عزيز" صديق أمين، وصاحب الحب الجامح للحياة والذي لا يتوانى عن إقامة علاقة جسدية محرمة مع سيدة تكبره بالسن تلهفت لإقامتها قبل أن يغادرها قطار اللذة بلا رجعة، هذا الصديق الذي لا يتوقف عن نصحه قولاً ومسلكاً لنسيان الماضي والتصالح مع الحياة بكل أشكالها.

أما الشخصية الأخرى المهمة في الفيلم على الرغم من ظهورها في مشهدين فقط –في أوله وآخره- فهي شخصية الشيخ المتعبد في المسجد صاحب الحكمة والنظرة العميقة للأشياء وبواطنها، وهو يذكره بعبارات من التراث الصوفي يحاول بها أن ينير له الطريق ويزيل عنه الغشاوة ليرى ما هو أمام عينيه.

لم يكن المخرج محايداً تماماً، إذ أظهر ميله مع نصائح وحكَم الشيخ وذلك من خلال عودة الألوان كاملة للمشهد -دون باقي جميع أجزاء الفيلم- أثناء تصويره في فناء المسجد الغني بالزخارف والنقوش الملونة، وكأنه يقول: من هذا الفِناء تبدأ الحياة الحقيقية.

رغم أنه وفي رده على سؤالي عن مغزى إظهار الألوان فقط في هذين المشهدين وتصوير باقي أجزاء الفيلم بالأبيض والأسود قال الأستاذ المعنوني أنه أراد أن لا يشغل المشاهد بألوان الزخارف المختلفة والمتنوعة طيلة أجزاء الفيلم فيلهيه عن أحداثه ، وهو ما اعتبرته ليس رداً بقدر ما هو عدم رغبة في كشف الغاية من هذا التكنيك المستخدم في التصور الفني للفيلم.

الفيلم صوفي بجدارة، والصوفية بحكمها وأغانيها العذبة وتراثها القديم في المغرب أعطت الفيلم الكثير، و يبدو أن المخرج صوفي الهوى حيث كان فيلمه الأخير قبل "قلوب محترقة" والمعروف باسم "الحال" كما قلنا عن فرقة "ناس الغيوان" الغنائية المغربية الشهيرة والتي كان جزءً أساسياً من غنائها من أشعار الصوفي المجذوب سيدي عبد الرحمن، إضافة إلى إعادة إحيائها للغناء الصوفي المغربي القديم، والذي برع في إبداعه كفيلم، فكانت تجربة سينمائية أشاد بها المخرج العالمي مارتن سكورسيزي وفي أكثر من مناسبة، مسجلاً اعترافه للمعنوني و في كل المحافل السينمائية الدولية بحرفية العمل وجودته.

يبقى أن نقول أن إختياره لمدير التصوير الفرنسي بيير بوفتي كان موفقاً إذ استطاع هذا الأخير إثراء الصورة بجماليات المكان وتفاصيله الغنية، ساعدت كثيراً على إيصال رسائل الفيلم.

قام بدور البطولة في الفيلم هشام بهلول بجانب محمد المروازي وامل الستة وعز الدين الكغات ومحمد درهم وخلود وامينة رشيد.

وفي النهاية نقول للمخرج أحمد المعنوني: كل التوفيق ولا نريدك وإبداعاتك بعيداً عنا مرة أخرى ، فكم نحن في السينما العربية بحاجة لمن يجيد لغة السينما واستخدام أدواتها ليصل إلى درجة إمتاعنا البصري ومخاطبة عقولنا بذكاء دون مباشرة فجة مللنا أسلوبها السقيم في معظم الأعمال السينمائية العربية.


5 تموز2008

asemasri@hotmail.com


ليست هناك تعليقات: